الإمـام الصـدر ضحيـة مقاومـة التوطيـن والتقسيـم
د.نسيب حطيط*
بعد 32 عاما على اختطاف الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين ،وإختفائهما في ليبيا ،تبرهن الوقائع بأنه ضحية إتفاقية كامب ديفيد والحرب الأهلية في لبنان،بعدما عمل لدعم القضية الفلسطينية ورفضه للتوطين الذي ينسف التوازن الطائفي اللبناني ويجهض المقاومة الفلسطينية ويريح العدو الإسرائيلي بشطب حق العودة وفق القرار الدولي رقم194.
لقد أعلن الإمام الصدر شعارات ثلاثة عمل من أجلها ميدانيا وحواريا وهي:
- حفظ صيغة العيش المشترك الإسلامي-المسيحي وعدم عزل المسيحيين أو تهجيرهم سواء بالنار أو بالبوارج الأميركية وفق خطة وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر.
- دعم المقاومة الفلسطينية بكل الوسائل المتاحة لإستعادة حقوقها وإقامة الدولة الفلسطينية من خلال مقاومة التوطين.
- التأكيد على العلاقة المميزة مع سوريا،وترحيبه بالتدخل السوري عام 1976 لإنقاذ المسيحيين ،حفظا للبنان،وللمسيحيين في الشرق.
وكان الإمام الصدر يرىأن لبنان امام خيارين ، أما فتح بوابة(فاطمة)على العدو الإسرائيلي أو(بوابة المصنع) مع سوريا،ولرفضه الإنفتاح على إسرائيل ولوقوفه مع سوريا عوقب بنزع سلاح حركة أمل من قبل أحزاب الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية،كما يحصل الآن.
لقد ذهب الإمام الصدر،ضحية التآمر الداخلي من خصومه السياسيين الذين شعروا بأنه يسحب البساط من تحتهم باستعادة الشباب الشيعي الذي يشكل قاعدة أحزابهم ، و أعاده إلى الدائرة الأساس لمقاومة إسرائيل بتأسيس أفواج المقاومة اللبنانية(أمل) لأنه يعتقد أن إسرائيل هي رأس الأفعى وأن ضربها كفيل بإخماد النيران اللبنانية.
اختطف الإمام الصدر بضغط أميركي وعربي متحالف معه،لأنه استطاع الخروج من الساحة اللبنانية إلى الأفق العربي وصولا إلى دوره مع الزعماء العرب والقمم العربية ،فكان على الجبهة المصرية في عام 1970 خطيبا في الجيش الثالث المصري، وبدأ يتحول إلى قائد مشروع شعبي مقاوم ضد مشروع الإستسلام الذي بدأ مع اتفاقية كامب ديفيد بالإضافة إلى دوره في قيام الثورة الإسلامية في إيران.
إن اختطاف الإمام الصدر كان الخطوة الأولى لإعدام مشروع المقاومة الشعبية العربية،حيث أن المخططين والمحرضين قد قرأوا باكرا الخطر ،قبل أن يعرفه العرب المتخاذلون .
لقد أثبتت الوقائع أن بذرة المقاومة التي زرعها الإمام الصدر في لبنان بتأسيس أول مقاومة لبنانية مسلحة ترتكز على فكرة الجهاد والإستشهاد من منطلق ديني قد أعطت ثمارها بتحرير الأرض وهزيمة العدو الذي كان البعض يراه ضربا من الأحلام أو الأساطير.
وكذلك فإن حركة المقاومة الشعبية في فلسطين استطاعت تحرير غزة رغم الحصار،وهذا ما تنبأ به الإمام الصدر في السبعينات عندما خاطب ياسر عرفات قائلا(أعلم يا أبا عمار،إن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء) وليس على أيدي المقاومين التجار من أوسلو حتى واشنطن وكل أمكنة التنازلات والعمالة للعدو الإسرائيلي.
في ذكرى اختطاف الإمام الصدر،نرى فيه ذلك( اليتيم الوطني)الذي لم تستذكره الدولة حتى بطابع بريدي والذي قامت ايران بنشر طابع خاص أو إطلاق إسمه على منشأة رسمية أو ثقافية،وهو الذي بذل كل ما بوسعه لحماية الكيان اللبناني،ولم تنشأ من أجله المحاكم الدولية أو العربية أو حتى اللبنانية، ،والظاهر أن في لبنان أبناء ست وأبناء جارية على مستوى القادة وعلى مستوى المواطنين،أو وفق مصالح الدول الكبرى وخاصة أميركا،فإذا كان القتل أو الاختطاف لمصلحتها فإن العدالة الدولية تصمت وتعمى ،وإذا كان يمكن توظيف القتل لاغتيال الوطن بأكمله فيصبح(قميص عثمان)بأيدي قتلته يلوحون بدمه المسفوك،ليسفكوا دماء أعدائهم بأيدي تابعيهم أو المتآمرين.
يعاتب الإمام الصدر في ذكراه ،دولته ومواطنيه وأهل المقاومة قائلا:...بأنه أسير في سجن عربي بقرار أميركي وإسرائيلي وتآمر محلي...فهل هو من قوم لا يتركون أسراهم في السجون...؟!وعتابه ليس من أجله بل من أجلنا نحن...